من المسلمات البديهية في عالم الرياضة عموماً ، هي تلك الأسس والمفاهيم التربوية والبدنية والأخلاقية المتعارف عليها ، والتي تفرز في معظمها المواثيق والنظم المعمول بها محلياً ودولياً، وهي ما يجب أن يلتزم ويتقيد بها كل رياضي ، سواء لاعباً أو إدارياً أو حتى متابعاً أو مشجعاً ، يضاف لذلك ما جبلت عليه المجتمعات المختلفة من ثقافات وسلوكيات إجتماعية وحضارية تتماهى مع ما ذكرناه . وهذا ما يفترض أن يصقله المهتمون والمسؤولون تدريباً وتعليماً في الأفراد والجماعات ليفرز ثقافة رياضية احترافية شاملة.
وقد تعودنا أن نرى أغلب ذلك في مختلف الدول والشعوب المتحضرة ، وبما ينعكس في الملاعب والمنافسات الرياضية المختلفة تلقائياً ، سواء بين اللاعبين أنفسهم ، أو عموم الجماهير والمهتمين ، وأما خارجها فنرى أن أشرس الخصوم يكونون في ما بينهم بأفضل حال ، وكأنهم من فريق واحد ، بل أن الكثير منهم زملاء وأصدقاء ، وخاصة أبناء البلد الواحد ، ومن يمثلون منتخباً قومياً واحداً.
لهذا نجد المتعة الكروية حاضرة أثناء مشاهدة مختلف الألعاب ، وليس فقط كرة القدم ، وإن صاحبها أحياناً بعض الممارسات السلبية ، والتي سرعان ما تنتهي بفضل الثقافة والمهنية التي يتمتع بها مختلف الحضور .
إننا حين نقارن بين ما هو حاصل في مجتمعنا الرياضي والمجتمعات الأخرى نجد البون الشاسع بينها ، رغم ما توفره وتقدمه الجهات المسؤولة وخاصة في وطننا الغالي والذي تحظى فيه الرياضة على الخصوص باهتمام بالغ ومتابعة لافتة ، ولكن كل ذلك للأسف لا يأتي بنتيجة مأمولة تدل على أن الرياضة عندنا تتغير للأفضل، وكل ذلك مرده لافتقادنا للثقافة الرياضية الإحترافية.
مشكلتنا الحقيقية تتمحور صراحة حول التعصب الرياضي المقيت الذي يجعل رياضتنا تراوح مكانها دون تقدم ملموس ، فتكون بين شدٍ وجذبٍ ، وصعودٍ خجول ، وهبوطٍ حاد ، والسبب كله هذا التعصب الذي امتلأت منه مواقع التواصل الإجتماعي بشكل مخجل انعكس تلقائياً على أداء اللاعبين فصرنا وكأننا نخوض حروباً ، وليست منافسات رياضية مكانها الملاعب فقط.
هذا التعصب بلغ حداً لا يطاق ، فيكفي أن تلقي نظرة واحدة على أحد المواقع لترى التهكم على الفرق المنافسة واللاعبين من قبل مشجعي الفرق المنافسة الأخرى ، بل أن الغريب هو ذلك التوهج الذي نلمسه في اللاعبين مع فرقهم ، في حين أننا نريد أن يكون ذلك التهوج والعطاء مضاعفاً مع المنتخبات وليس العكس الذي لا يحقق الطموح والغايات
وللأسف نلحظ ذلك أيضاً حتى في مباريات دولية يخوضها أحد الفرق الوطنية المنافسة والذي نقلل من فوزه إن فاز ، أو نفرح ونشمت عليه إذا خرج مهزوماً ، في حالة بعيدة تماماً عن حس الإنتماء الواحد والمنشود . كما وأن هذا التعصب انعكس حتى على متابعي ومشجعي فرق الدول الأخرى حيث يصل الحال لدرجة الشقاق والعداوة بسبب المشاحنات والتعصب الأعمى لفرق أجنبية لا تعبأ بنا من الأساس .
إن لهذا التعصب طاقة سلبية هدامة ، هي التي تسبب لنا حالة من التأزم الرياضي المزمن ، ليتغلغل داخلنا ويولد الكراهية بين أبناء الوطن الواحد ، في الوقت الذي نريد أن نكون فيه لحمة واحدة تحت راية الوطن الواحد لنسجل نتائج وطنية تنسب لجميع الفرق وباسم الوطن ، وليس لأحد الفضل على أحد في ذلك سوى الله سبحانه وتعالى.
نريد أن تذوب هذه الحالة وتمحى من قواميسنا ، ونجعل الرياضة والمنافسات طريقاً للتنمية ، وسبيلاً لتغذية المنتخبات الوطنية بالكفاءات ، ومن أجل تحقيق التطلعات ، ولتكون الرياضة منافسة حقيقية لمختلف المجالات التي قفزت قفزات هائلة ، وحققت لوطننا العزيز نتائج مبهرة نفجر بها ، من خلال أبناءه وبناته المخلصين والمخلصات حول بقاع الأرض.